حين يسيطر الخواء على جانب من عقولنا، و يستقر الهراء المتضخم بالكثير من الجوانب و نوقن ان تصاريف الحياة تنتقص لشيء ما.. شيء لا نعرفه و لم نطله لصغر تلك العقول و لبراءة المواقف و سذاجة الذكريات.
حين تتغير مناظيرنا كل يوم بسرعة كبيرة، و حين نشعر بالوحدة وسط الجموع، و نتذوق مرارة الغربة و اضطهاديات التعصبات العرقية و اللونية.. حين نتعرض للشرخ بكينونتنا منذ فجر أعمارنا و حين لا يكون لنا سلاح غير.. العلم.
كل ذلك و اكثر كان ما مرت به الصغيرة سارة ذات الست سنوات.. ست شتاءات بأوكرانيا القاسية و الجميلة بذات الوقت؛ و بضع ربيعات واعدة. سارة الطفلة القادمة من بلد بعيد للبحث عن المعرفة. و عوضا عن المعرفة وجدت حضارة بكل جمالياتها و آلامها.
مثلما يهتم اقرانها بدروس الموسيقى و الحلوى و انتظار الربيع، كانت سارة تمرر بصرها كل يوم على وجوه طلاب مدرستها كالباحثة عن أجوبة لتساؤلات تعصف بجسدها الصغير.
حين انتقلت صديقتها المقربة 'جمال' الى غير بلد لم تحزن، و حين أكل زكريا قلمها المفضل لم تحزن، و حين عيرتها مي ابنة المدير البدينة بلونها... لم تحزن! كانت تؤمن ان كل ذلك جزء من مجاراة المقادير، فبلحظ سارة.. أشعة حياة!
و ذات يوم صغير بحياة سارة، عزمت مؤانسة ميادة بنت الصف الثالث الوحيدة في احدى الفرص. كانت لا تدري اذا ما كانت ميادة تستأنس بها ام تستغل عفويتها، و لم يهمها الأمر حينها كثيرا.
دخلت الصف الثالث الخاوي الا من ميادة و بعض من خرائط ماء على اللوح الأسود الضارب للخضرة.. اقتربت منها و اقتسما جرعة ذاك اليوم من الغذاء.
حين استقرت آخر قطعة خبز بفمها الصغير و مع تنهدة فرح بانتهاء هذه 'المهمة' وقع بصرها على شيء .. حدث.. شخص.. طالب جديد.. طالب جديد بالصف. هكذا توالت الافكار بذهنها..
و لأول مرة بحياتها القصيرة جدا شعرت سارة بعاطفة غريبة أيقظتها خرائب الهيكل! من هذا الشيء المرسل من السماء .. وما هذا الشعور الذي انعكف على جميع حواسها كما تنعكف أصابع الموسيقى على أوتار ربابة!
لم تتعرف على ذاتها التي بين جنبيها.. ''يا ترى من هذه الذات الجديدة الغريبة عني؟ و ما هذا النور الذي كأنه عاد الى عيني ضرير غدا يرى و يتأمل و يفكر!''
ايقظت ميادة من لقمتها و همست لها همس الخائفين : ماذا تعرفين عن الحب ؟
كعادتها ميادة حين تسألها سارة شيئا عن الحياة تغمرها لذة العالم و فخر رفيع المقام :
- لم يمر علي الحب في تسعة اعوامي الماضية من حياتي و لكني قرأته في قصة بياض الثلج و الأقزام السبعة. (و بكل ثقة :) الحب هو ان تبتسمين بوجود من تحبين.
اي تبسم و اي فرح! انما هي ابتسامة لو تركت وشأنها لتصاعدت و انسكبت دموع فرح، او نزفت فوج عواطف او خرجت ألفاظا هي كالزهور الزكية.
سارة الفتاة الصغيرة التي زارها الحب يوما و لم تكن قد سمحت لها الحياة ان تتعرفه.
مع الأيام قررت سارة ان تتحدث مع هذا الذي هز وجدانها ، هل يجيد لغات البشر كما الشخوص العاديون؟ ام اي لغة تستخدم..
و كانت ميادة ملاذها دائما، و يومها عرفت ان اسمه عدنان، لم يكن الاسم الذي قررته له بينها و بين نفسها و لكنها اطمأنت لكونه اسما يطلق على بشر.
-ميادة سأخبرك امرا ارجو ان يبقى سرا بيننا.
-سيبقى سرا عزيزتي سارة.
-اعتقد اني احب عدنانا
-و ما تعرفين عن الحب؟
-الحب ان تتبسمين بحضور من تحبين
حينها وضعت ميادة ما تحمله جانبا كي تحيل يدها و تضعها على رأسها هلعا و تهويلا
-تحبينه؟
-هذا ما استنتجته من قصة بياض الثلج و الأقزام السبعة التي اعرتنيها الاسبوع الفائت
-كان يجب الا اعيرك اياها
-و لماذا تقولين هذا؟
-اذا كنت تحبينه فكيف ستتزوجينه بالله عليك؟
-لا ادري، هذه مشكلتي الوحيدة و لكني لم اعرها تفكيرا طويلا
-ماذا عن جنسيتيكما المختلفة عن الأخرى
هنا صمتت الصغيرة سارة. ظنت ان لونها و جنسيتها يحرمان عليها ان تحب خارج الحدود.
ثم نظرت مطولا الى ميادة و همت بالتحدث الى ان دخل عدنان بشخصه الصف الثالث و نظر اليهما بسرعة خاطفة و القى تحية باهتة على زميلته بالصف.. قيل انه لم يكن يستلطف طلاب الصف الاول صف سارة، يا له من امر عظيم و جلل! (هنا احست سارة بعظم مهمتها!)
...
حين غادر الصف كانت كمن غيرت ما اعتزمته اولا، و بصوت لا يميزه عن التنهد غير رنات الألفاظ قالت لميادة :
لا بد ان يتواجد قانون يسمح بالحب خارج الحدود.
وتركت الصف الثالث بعينين امتلئتا بالدمع الأليم.
حين نحب بعمر الزهور، فلا نتوقع ان يرضخ الحب لشروط دنيوية حقيرة و سطحية. فنصطدم بواقع هو قاس على عضلات قلوبنا. و لكن عزائنا ان ذلك الحب يكون حبا طاهرا خاليا من الأسباب. لم تدنسه ظروف الراشدين.
ذلك الحب الذي يبيح مكنونات النفس للنفس و يفصل بتفاعيله بين العقل و عالم المقاييس و المادة.
*و لم تدر سارة -و الى الآن- اذا ما كانت تجرعت ترياق العفة فصارت ملاكا تري و تسمع خفايا الأسرار أم هي وساوس أخذت بها فتعاميت عن أصول المعقولات*.
حين تتغير مناظيرنا كل يوم بسرعة كبيرة، و حين نشعر بالوحدة وسط الجموع، و نتذوق مرارة الغربة و اضطهاديات التعصبات العرقية و اللونية.. حين نتعرض للشرخ بكينونتنا منذ فجر أعمارنا و حين لا يكون لنا سلاح غير.. العلم.
كل ذلك و اكثر كان ما مرت به الصغيرة سارة ذات الست سنوات.. ست شتاءات بأوكرانيا القاسية و الجميلة بذات الوقت؛ و بضع ربيعات واعدة. سارة الطفلة القادمة من بلد بعيد للبحث عن المعرفة. و عوضا عن المعرفة وجدت حضارة بكل جمالياتها و آلامها.
مثلما يهتم اقرانها بدروس الموسيقى و الحلوى و انتظار الربيع، كانت سارة تمرر بصرها كل يوم على وجوه طلاب مدرستها كالباحثة عن أجوبة لتساؤلات تعصف بجسدها الصغير.
حين انتقلت صديقتها المقربة 'جمال' الى غير بلد لم تحزن، و حين أكل زكريا قلمها المفضل لم تحزن، و حين عيرتها مي ابنة المدير البدينة بلونها... لم تحزن! كانت تؤمن ان كل ذلك جزء من مجاراة المقادير، فبلحظ سارة.. أشعة حياة!
و ذات يوم صغير بحياة سارة، عزمت مؤانسة ميادة بنت الصف الثالث الوحيدة في احدى الفرص. كانت لا تدري اذا ما كانت ميادة تستأنس بها ام تستغل عفويتها، و لم يهمها الأمر حينها كثيرا.
دخلت الصف الثالث الخاوي الا من ميادة و بعض من خرائط ماء على اللوح الأسود الضارب للخضرة.. اقتربت منها و اقتسما جرعة ذاك اليوم من الغذاء.
حين استقرت آخر قطعة خبز بفمها الصغير و مع تنهدة فرح بانتهاء هذه 'المهمة' وقع بصرها على شيء .. حدث.. شخص.. طالب جديد.. طالب جديد بالصف. هكذا توالت الافكار بذهنها..
و لأول مرة بحياتها القصيرة جدا شعرت سارة بعاطفة غريبة أيقظتها خرائب الهيكل! من هذا الشيء المرسل من السماء .. وما هذا الشعور الذي انعكف على جميع حواسها كما تنعكف أصابع الموسيقى على أوتار ربابة!
لم تتعرف على ذاتها التي بين جنبيها.. ''يا ترى من هذه الذات الجديدة الغريبة عني؟ و ما هذا النور الذي كأنه عاد الى عيني ضرير غدا يرى و يتأمل و يفكر!''
ايقظت ميادة من لقمتها و همست لها همس الخائفين : ماذا تعرفين عن الحب ؟
كعادتها ميادة حين تسألها سارة شيئا عن الحياة تغمرها لذة العالم و فخر رفيع المقام :
- لم يمر علي الحب في تسعة اعوامي الماضية من حياتي و لكني قرأته في قصة بياض الثلج و الأقزام السبعة. (و بكل ثقة :) الحب هو ان تبتسمين بوجود من تحبين.
اي تبسم و اي فرح! انما هي ابتسامة لو تركت وشأنها لتصاعدت و انسكبت دموع فرح، او نزفت فوج عواطف او خرجت ألفاظا هي كالزهور الزكية.
سارة الفتاة الصغيرة التي زارها الحب يوما و لم تكن قد سمحت لها الحياة ان تتعرفه.
مع الأيام قررت سارة ان تتحدث مع هذا الذي هز وجدانها ، هل يجيد لغات البشر كما الشخوص العاديون؟ ام اي لغة تستخدم..
و كانت ميادة ملاذها دائما، و يومها عرفت ان اسمه عدنان، لم يكن الاسم الذي قررته له بينها و بين نفسها و لكنها اطمأنت لكونه اسما يطلق على بشر.
-ميادة سأخبرك امرا ارجو ان يبقى سرا بيننا.
-سيبقى سرا عزيزتي سارة.
-اعتقد اني احب عدنانا
-و ما تعرفين عن الحب؟
-الحب ان تتبسمين بحضور من تحبين
حينها وضعت ميادة ما تحمله جانبا كي تحيل يدها و تضعها على رأسها هلعا و تهويلا
-تحبينه؟
-هذا ما استنتجته من قصة بياض الثلج و الأقزام السبعة التي اعرتنيها الاسبوع الفائت
-كان يجب الا اعيرك اياها
-و لماذا تقولين هذا؟
-اذا كنت تحبينه فكيف ستتزوجينه بالله عليك؟
-لا ادري، هذه مشكلتي الوحيدة و لكني لم اعرها تفكيرا طويلا
-ماذا عن جنسيتيكما المختلفة عن الأخرى
هنا صمتت الصغيرة سارة. ظنت ان لونها و جنسيتها يحرمان عليها ان تحب خارج الحدود.
ثم نظرت مطولا الى ميادة و همت بالتحدث الى ان دخل عدنان بشخصه الصف الثالث و نظر اليهما بسرعة خاطفة و القى تحية باهتة على زميلته بالصف.. قيل انه لم يكن يستلطف طلاب الصف الاول صف سارة، يا له من امر عظيم و جلل! (هنا احست سارة بعظم مهمتها!)
...
حين غادر الصف كانت كمن غيرت ما اعتزمته اولا، و بصوت لا يميزه عن التنهد غير رنات الألفاظ قالت لميادة :
لا بد ان يتواجد قانون يسمح بالحب خارج الحدود.
وتركت الصف الثالث بعينين امتلئتا بالدمع الأليم.
حين نحب بعمر الزهور، فلا نتوقع ان يرضخ الحب لشروط دنيوية حقيرة و سطحية. فنصطدم بواقع هو قاس على عضلات قلوبنا. و لكن عزائنا ان ذلك الحب يكون حبا طاهرا خاليا من الأسباب. لم تدنسه ظروف الراشدين.
ذلك الحب الذي يبيح مكنونات النفس للنفس و يفصل بتفاعيله بين العقل و عالم المقاييس و المادة.
*و لم تدر سارة -و الى الآن- اذا ما كانت تجرعت ترياق العفة فصارت ملاكا تري و تسمع خفايا الأسرار أم هي وساوس أخذت بها فتعاميت عن أصول المعقولات*.