"حتى طيفه ما عاد يزورها" قصة من مجموعة "شبح الإنتظار"
_______________________
تتنهد تنهدة رقيقة و تهمس في مسامع الأثير بصوت ضعيف لا يميزه عن التنهد غير رنات الكلمات ، كأنها تناجي سكان السماء :
''لم تأخر كل هذا؟''
و تفكر أنها أعدت كل شيء كما يحب.. أنارت المسارج العتيقة، و أوقدت المباخر فملأت الأرجاء بروائح المر و اللبان..
حضرت الشاي الأخضر، الذي يحب، و الورق و القلم الأخضر أيضا- الذي ضاع غطائه فاستعارت له غطاءً آخر كيلا يجف.. فأصبح كالخرقة المرقعة!
تتربع القرفصاء على كنب الصالة و هي تنتظره كل ليلة قرب المنضدة الخشبية التي اعتاد الجلوس إليها، و اعتاد كتابة الأشعار و القصائد الجميلة غير المقفاة..... كما تحبها أمل..
أمل ابنة الجيران التي كان يتطلع من نافذته -وهو جالس بذات المنضدة- إلى نافذتها المقابلة..
تتصافح عيونهما بالنظرات المثقلة بالدموع و تحمل في ثناياها كثيرا من البوح الصامت...
و البسمات الصادقة
''فإن لم يكن لأجلي، فعُد لأمل.''
تبرح مكانها صوب النافذة، و تبصر شباك 'أمل' مظلما مسدلا ستائر الخذلان... على قلبها!
إنها تسكن قبرا قبل أن يجيء موعد الرحيل! هكذا تفكر، ميتة على قيد الحياة. فما أقسى حياة الإنتظار؟
حين يأتي الصبح، و تستيقظ الشمس التي تستنكر عليها استيقاظها و كأن شيئا لم يكن! ولكنها تتمنى أن يكون صبح لقياه.
و تتذكر مرض الكبر الذي يفتك بها، و تظهر على شفتيها خيال ابتسامة هي بقية الحياة في جسدها اللطيف.. فلطالما قال لها مداعبا :
''حسدتدك عرائس الجان لذلك نفثن فيك العلل، يا أماه''
تنزل إلى الشارع.. تبحث.. و لا تدري عم تبحث...
''عم تسأل؟''
تصادف بعض الجيران، تفطن وجوههم المتسائلة وهم يختلسون من الشفقة نظرات إليها.
تحادث أحدهم : ترى كيف هي أمل؟
(......)
''لم لا يرد عليها أحد''........
''هل.....؟''
تجزع سيدة و تقف أمامها : من هي أمل التي لا تنفكين السؤال عنها؟
.......
....
حينها شعرت بشعور غريب أيقظته خرائب الزمان، و مثل الضرير الذي عاد إلى عينيه النور فصار يرى و يتأمل، تذكرت أنه..
لم تكن ابنه جار تدعى أمل !
و لم يكن....... هو
تلاشت آخر أشعة من نفسها المودعة..
الآن فقط تذكرت..
تذكرت نبأً زُفَّ لها قبل أكثر من عشرين ربيعا..
نبأ موت الجنين برحمها.
''آه كيف تمر الأجيال بأقدامها الخفية تسحق أجمل ما نملك؟'' :(
_______________________
تتنهد تنهدة رقيقة و تهمس في مسامع الأثير بصوت ضعيف لا يميزه عن التنهد غير رنات الكلمات ، كأنها تناجي سكان السماء :
''لم تأخر كل هذا؟''
و تفكر أنها أعدت كل شيء كما يحب.. أنارت المسارج العتيقة، و أوقدت المباخر فملأت الأرجاء بروائح المر و اللبان..
حضرت الشاي الأخضر، الذي يحب، و الورق و القلم الأخضر أيضا- الذي ضاع غطائه فاستعارت له غطاءً آخر كيلا يجف.. فأصبح كالخرقة المرقعة!
تتربع القرفصاء على كنب الصالة و هي تنتظره كل ليلة قرب المنضدة الخشبية التي اعتاد الجلوس إليها، و اعتاد كتابة الأشعار و القصائد الجميلة غير المقفاة..... كما تحبها أمل..
أمل ابنة الجيران التي كان يتطلع من نافذته -وهو جالس بذات المنضدة- إلى نافذتها المقابلة..
تتصافح عيونهما بالنظرات المثقلة بالدموع و تحمل في ثناياها كثيرا من البوح الصامت...
و البسمات الصادقة
''فإن لم يكن لأجلي، فعُد لأمل.''
تبرح مكانها صوب النافذة، و تبصر شباك 'أمل' مظلما مسدلا ستائر الخذلان... على قلبها!
إنها تسكن قبرا قبل أن يجيء موعد الرحيل! هكذا تفكر، ميتة على قيد الحياة. فما أقسى حياة الإنتظار؟
حين يأتي الصبح، و تستيقظ الشمس التي تستنكر عليها استيقاظها و كأن شيئا لم يكن! ولكنها تتمنى أن يكون صبح لقياه.
و تتذكر مرض الكبر الذي يفتك بها، و تظهر على شفتيها خيال ابتسامة هي بقية الحياة في جسدها اللطيف.. فلطالما قال لها مداعبا :
''حسدتدك عرائس الجان لذلك نفثن فيك العلل، يا أماه''
تنزل إلى الشارع.. تبحث.. و لا تدري عم تبحث...
''عم تسأل؟''
تصادف بعض الجيران، تفطن وجوههم المتسائلة وهم يختلسون من الشفقة نظرات إليها.
تحادث أحدهم : ترى كيف هي أمل؟
(......)
''لم لا يرد عليها أحد''........
''هل.....؟''
تجزع سيدة و تقف أمامها : من هي أمل التي لا تنفكين السؤال عنها؟
.......
....
حينها شعرت بشعور غريب أيقظته خرائب الزمان، و مثل الضرير الذي عاد إلى عينيه النور فصار يرى و يتأمل، تذكرت أنه..
لم تكن ابنه جار تدعى أمل !
و لم يكن....... هو
تلاشت آخر أشعة من نفسها المودعة..
الآن فقط تذكرت..
تذكرت نبأً زُفَّ لها قبل أكثر من عشرين ربيعا..
نبأ موت الجنين برحمها.
''آه كيف تمر الأجيال بأقدامها الخفية تسحق أجمل ما نملك؟'' :(