
ثلاث رسائل من الحياة
الرسالة الثالثة - نيسان 2013
_____________________
أختي العزيزة عايدة
أكتب إليك الآن من مكان مختلف من الحياة، أكتب إليك و كلي أمل أن تسعدي بما أكتب..
أذكرك بالذي كنت عليه؟ انت تذكريه جيدا، ليس ثمة من متعة في تلك الذكريات المتهالكة، إن الذين يعيشون حياتهم وسط السطحي و الميعاد الذي لن يأتي و لا يصنعونه، يفوتهم أن ما يمر بهم على مهل أو عجل إنما هو عمرهم الضائع بين يدي أرواحهم المشمئزة و مصائرهم المكتوبة في دفاتر خطتها أيامهم المفرطة في الكآبة الغارقة في الهوامش.
إنهم يقاسون ضغط عواطفهم التي لن تنفجر، يفضلون وحدتهم و يحبون الصمت، يضللون القلوب عن ملاقيها و العيون عن بصائرها و الثرثرة بما ليس له علاقة بالعاطفة التي لن يفهموها و إن مكثوا ثلاثة أمثال أعمارهم.
قلت يفضلون الوحدة، يفضلون الشقاء، يكتفون بالقطرات الساقطة من الأسطح الصدئة ساعة المطر، يكتفون بالشحيح الأليم الغريب كل الغرابة عن الجمال و الذي قد لا تصدقين أن يرضه أحد!
عزيزتي، ما الذي أعنيه من هذا الذي أكتب؟ إني قد لا أعلمه لأني لست بمكان منه و لكني أعرف انك تفهمين و أعرف أنني لست منهم.. لدرجة أني بدأت أصدق أني ما كنت يوما منهم.
صار قلبي يسير إلى الفرح من ذاته، و خير ما يفعله أنه يحوم حول الغبطة.. الغبطة التي كنت أغبط الفرحين عليها دون أن أتمناها لنفسي.
*_*
آه ما الذي كنت عليه؟ إني سحبت ذاكرتي إلى الوراء قليلا كي أفرغ حيزا لذكريات جديدة و قادمة.. لملمت قديمها بابتساماتها الموئودة الحزينة، و بنشواتها المنطفئة! توهج كل شيء الآن! إني لا أدري كيف حدث هذا و كيف يحدث؟ كيف تشع النفس المشوهة بالحب، و تضيء فيها مسارج الأمل الراقد و المعلق بعد أن كانت ملطخة بوحل من اللاأشياء الممتلئة الفارغة؟
أقول لك، تماما كما تزهر النبتة من بين الأشواك و يخرج الثمر من غصن دام به العقم.. انظري إلى الليل النائم على جنبات أسرتنا.. هل تصدق دوار الشمس أن الشمس ستشرق عليهن بدفئها أبدا؟ هل انت تصدقين؟
إني أدري أن وجنتيك الدقيقتين تنضحان بالدماء الآن، هل تسري بك هذه النشوة اللذيذة التي تداعب كل الكيان الصغير؟ هل شعرت بكذا إنتشاء رقيق من قبل؟ هل امتلئت عيناك الجميلتان المزروعتان في وجهك الأسمر بالدموع؟ ..هل؟
:')
إني كما هذا الفتى الذي يعمل تحت حفنة من 'المعلمين' الذين يصيحون به فلا يستجيب لهم ثم يزعقون و يسبون، و هذا الفتى متسمر في قمة انتشاءه بعقل غائب مع فتاته التي أبصرها فانتعشت الذاكرة القصيرة...
تهب نسمة رطبة في يومه القائظ الحرارة تماما كالتي تمر بي.. و لكن من دون فتى و قصة حب على أبواب الورش.. فقط من أجل الفرح نفسه.
إن الذي يريد لحياته أن تحلو فإنه قادر و إن كان غارقا لأرنبته في المصائب! إن الفرح لا يطرق أبوابنا.............. نحن من نصنعه.
هل أفرطت في الإفضاء لك؟ هل تعلمين أن هذا كان لا شيء؟
:P
أختك التي تحبك
ريان خليل جبران
الرسالة الثانية - أغسطس 2012
______________
أختي العزيزة عايدة،
أتذكرين حين كنت أظن أن الحياة ثابتة؟
و إنما تتبدل القلوب و الأقنعة؟
و أن الذكرى لا تعيد غير أشباح الأجسام، فتؤلمنا؟
و أن للفرح أمكنة يزورها و أخرى لا يطأها؟
حين كنت أتعلم الحياة من أشعار المعري..
مع أنه كان يجعل مني جسدا تتدفق عواطفه في الأحشاء كما يتدفق الدم من الكلوم البليغة!
لهذا كنت أبغض الحياة، و لهذا كنت تصمتين.
إليك هذا، فقد تصدقت بكتب أبي العلاء على مفرطي الفرح!
تعلمت أن النفس المرة قد تستيقظ بها العواطف الحلوة مثلما تنبت الأزهار بجانب الأشواك..
و أن الظلم لا يفني المرء إذا كان بجانب الحق..
و السجن لا يسجن غير الجسد، أما النفس فقد تغدو حرة بين الطلول و المروج!
فقرأت أن أحد العظماء رجم فارحا!
و أن سقراطا شرب السم باسما!
و أن القلوب التي يحيط بها غشاء سميك قد يستحيل إلى برقع للأماني.
أذكر مقولتك ''القلوب لا تموت، إنما يموت الضمير الخفي الذي لا نعرفه ثم نخالفه فيوجعنا!''
و رسالتك المؤلمة التي احتوت : ''...أخشى أن تقضي ربيع عمرك متشائمة''
فهأنذي و قد لامست كلماتك -و قليل مما علمتنيه الحياة- الحواس و الأطراف... كما تلامس النسمات اللطيفة وجه النيل الهاديء. :)
و تذكرين حين أرسلت لك ببرقية مستعجلة : أني قرأت بكتاب ربي : (إن مع العسر يسرا)..
و كم كان ردك حكيما : يقول رب العزة : (لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
الرسالة الأولى - كانون الأول\ديسمبر 2011
أختي العزيزة "عايدة",
لا أجد كلمات تصف ما انا فيه, فجميع اللغات الانسانية لا تستطيع ان تضع اسما لآلاف النقائض و المفاجآت التي أمرّ بها.. يجتمع فيها الخوف و الفرح و الشوق و النفور و الاحسان و الانقباض.. و .. الحياة و الموت!
عزيزتي, غدت نفسي لا تقوى على ان تريد..
بتُّ أشكك في سحر القمر!
تختل اسابيع السنة في نظري
و أرى الصيف يأتي في الشتاء..
عذراً.. فقد ألغيت كل الأزمنة!
ربما هي الأماكن الفارغة في قلبي.. صرختْ بها أشياء حد الصراخ! و لكني الآن و عندما أحني رأسي لا اسمع شيئاً.. قد وصلت حدود كل الأشياء!
تعبتُ من البحث عن تلك الأرض.. تلك الأرض التي لا أسمع عنها الا في الكتب.. بها شمس الحب تعانق وجه الحرية! أحس بكذب هذه الجملة حين أقرأ كتابتي لها.. أصدقيني فلا وجود لهكذا أرض! و لكني.. و ماذا سأفعل.. سأسافر في العمر و معي عينيك و بعض موسيقى الحماسة!
سأحلم و أغامر و اعيش .. نعم سأعيش و ان بارتياب و اكتئاب..
سألقي التحايا و أنثر طريقاً بالأزهار.. و أغطي فجواتي بصمغ التصنع..
بمعنى الكلمة.. سأتظـــاهر كما يفعلون!
كما يفعل جميع الساكنين الباحثين عن أرض الأمل.
مضحك ان بعضهم ظن انه وجدها! ابعثي لهم برسائل اختي, اخبريهم انه ما من وجود لها..
حسناً.. سأتحايل على عقد الحياة الشائكة.. سآتيها من حيث لا تحتسب.. و لكن أختاه! مللت فعل ذلك كل حياتي الماضية, صعبة هي الحياة و انما نحن فقط نتظاهر انها "حُلوة"!
ألازلت ترينني مزيجاً من الخجل و الامتناع؟ و أهزأ بكل ما لدي من تمثيلية الحياة؟
أرجوك لا اريد ردا على رسائلي اذا كان محتواها شيءٌ من "تحتاجين لحظة حياة و لحظة جنون و الكثير من النسيان و الخروج عن القواعد و المعاني المبتذلة" !
و ربي ليست بمبتذلة.. ما ادراك انت.. فالمتفرجون قد لا يشعرون بدواخل الممثلين!
أحيانا أرغب أن استوطن أصغر تفاصيل أحد, لأستمتع بمدى التشابه بيننا! فجميعنا ضعفاء و بسطاء و قادرون أيضاً! نبكي و نندفع أحيانا و نفكر كثيراً..
و اليك هذا السر ايضا اختي.. أحيانا تغدو لي فكرة ان يسكن أحد اصغر تفاصيلي ..مرعبة! و قد أجن من مراقبته غير الاعتيادية لحياتي. ..فقط و أقف عند ذاك الحد و لا أفكر بعدها بشيء.
ان اتيت بسيرة الحب فلن أرد كما فعلت بسابقاتك من الرسائل!
أرفض ان اتظاهر و لكن.. ماذا أفعل كي أعيش؟ لا لا .. لست أعدك بشيء ! !
أذكر رسالتك التي اخبرتني فيها بقصة الغريب الذي لم يدرِ انه احب فتاة الا بعد ان زارها عذرائيل! و كم بكيت حين علمت انه لم يتلقَّ برقيتك "كن سباقاً لها قبل عذرائيل!" كم ضحكت و كم بكيت يا اختي..
ألم اخبرك ان برقيات السماء قلما تصل ضعاف القلوب؟
ملحوظة: أرعبتني كثيراً حين ارسلت اخر مرة "الرغبة نصف الحياة, و عدم الاكتراث نصف الموت!" يا ترى من كنت تقصدين؟ عموما فقد اجفلت و لم أكلم بشرا يومها!
و أخيراً عزيزتي.. انشدك "ماذا افعل في كنوز الارض يا كنزي الوحيد" كما اعتدت J
و آسفة على كل تلك التناقضات .. آه كم تأخذ مآخذها مني!
أختك التي تحبك.
*********************************
*********************************