المشاركات الشائعة

8/04/2012

الحب.. فالعمى فالضلال

 ((وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي المَدِينَةِ اِمْرَأَةُ العَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ)) يوسف -٣٠-

كلنا يدري قصة امرأة عزيز مصر مع سيدنا يوسف عليه السلام، فالنسوة قيل هن خمسة : امرأة حاجب الملك و امرأة الدواب و امرأة الخباز و امرأة الساقي و امرأة صاحب السجن. و قيل كذلك هن من اشراف مصر.
لن اتطرق لذكر مفردات القصة فلست هنا لذلك الموضع، و لكن استوقفتني هذه العبارة طويلا : ((قد شغفها حبا)).

بحثت فلم أجد ذكر لما يسمى 'الحب' المعهود بين رجل و امرأة غير هذا الموضع في القرآن الكريم، رأيت المودة و الرحمة و رأيت الحسنى و رأيت و قرأت.. و لكن ليس ثمة ذكر لهذا النوع من الحب و بهذا اللفظ إلا هنا..
و يقفز سؤال في رأسي.. لماذا؟ لماذا هنا بالذات ذكر الحب بهذا المعنى و بتلك الطريقة..
لماذا استبق الحب بالشغف؟ و ما الذي يعنيه الشغف؟ و لماذا وصف ما شعرت به امرأة العزيز و تملك وجدانها بأنه حب ثم تلته فكرة الخطيئة.. هل الحب نجس يودي بالتفكير للخطيئة؟ هل هو حرام؟ هل هو نوع من الخيانة و الشرك؟
لأجد أجوبة لتلك الاسئلة لنبحث عن معاني المفردات..
جاء في تفسير البغوي : شغفها حبا أي علقها حبا
و قال الكلبي : أي حجب حبه قلبها حتى لا تعقل سواه.
و قيل : أحبته حتى دخل حبه شغاف قلبها : أي داخل قلبها.
قال السدي : الشغاف جلدة رقيقة على القلب، يقول دخل الحب الجلد حتى أصاب القلب.
و قيل كذلك : ذهب بها الحب كل مذهب.
إذن الحب حالة تصيب القلب فلا يوعى بعده لا قلب و لا عقل، فهل هو بالشيء المحمود؟
قرأت أيضا الشغف في اللغة من عمى البصيرة، و أقول عمى البصيرة يودي إلى الهلاك.
فإذن لماذا بالله عليكم تم تصوير الحب بهذه البشاعة في كتاب الله العزيز.. الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. ؟
أدري أنكم جميعا تدرون ما الحب و ربما مررتم أو قرأتم أو سمعتم عن هذا الحب كالذي استحوذ على امرأة عزيز مصر و أخذ منها جميع المآخذ.. لدرجة انها فكرت في الخطيئة! الخيانة! خيانة زوجها العزيز و هل كانت بعقل في تلك الأحوال؟ كيف سولت لها نفسها فعلا كهذا و تضحية و خيانة كتلك من أجل هذا المعبود المسمى الحب؟!
إذن فنحن متفقون أن هذا الحب 'الأعمى' قد حملها على أن تفكر بالفعل الشنيع، و لم تقف عند التفكير و إنما راودت فتاها عن نفسه! أي جرأة و أي عمى و أي شيء هو هذا؟!

سيأتيني أحدكم و يقول : لااااا ليس كل الحب كحب امرأة العزيز.. بعض الحب عفيف.. بعض الحب طاهر.. أقول له : أرجوك اذن أجبني على كل اسألتي تلك؟


حينما تقرأ قوله أو تسمع تلاوة شيخ للآية :((تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا)) تمعنوا بين كلمتي نفسه و قد شغفها.. لا وقف لا صلي ولا قلي ولا نفس.. استمرار من غير انقطاع.. استمرار في اللفظ يتبعه استمرار في المعنى، ما أقوى تلك العبارة و ما أعجز القرآن!

((إنا لنراها في ضلال مبين))..
آآه ! تلك العبارة قاربت ان تجعلني اهيم على وجهي من خوفي!
طيب، ما وصف به الضلال المبين للقاريء العابر هو إقدام امرأة العزيز على ذلك الفعل.. مممم فقط؟ إذن لماذا جيء بذكر مشاعر امرأة العزيز اذا كان الموصوف هو الفعل فقط.. هل يفكر أحدكم ان عبارة ((قد شغفها حبا)) أتت لتعليل و تبرير فعل امرأة العزيز؟! لا استطيع التفكير بهذا النحو! و اني لأستغفر ربي لي و لكم!
إذن هل كان حبها له ضلالا مبينا؟ هل أجرؤ ان اقول نعم! إذا كان ذلك الحب قادها إلى ما اعتزمت فعله.. أو لا يكون ضلالا؟
أحس أن الضلال و الحب من جنس نفسيهما، كلاهما أعمى. كلما أتمعن في التفكير أجد إعجازا من نوع ما!

قال الشعبي : ضلال مبين أي خطأ ظاهر، و قيل معناه أنها تركت ما يكون عليه أمثالها من العفاف و الستر.



لا أريد هنا أن آتي بشيء جديد أو فكرة جديدة، إنما أنا أفكر و أريدكم أن تفكروا، ولم آتيكم بآراء السلف و الخلف في مسألة الحب لأن معظمنا قد يعتقد انهم متشددون أو 'غير متحضرون'. قرأت ان الإمام الغزالي يقول أن الحب الذي نعرفه من قصص و روايات و أفلام انما هو ضرب من الشرك و الكفر بالله! و لكني أريد ان اتوصل إلى ذلك بعقلي.. حتى يطمئن إليه قلبي و يصدق به.

أحب أخيرا أن .. -بلاها الكلمة دي!- أتمنى أخيرا قبل أن نعتقد أننا ربما نحب شخصا أن نفكر في كل ما طرحت الآن.. أن يسأل كل منا نفسه، ما الذي افعله؟ هل أخالف شيئا؟ هل مطمئن انا لهذا؟ إلام سيقودني هذا؟ هل يعقل ان يكون كل هؤلاء الناس مخطئون بحق الحب وانا المصيب؟ هل هم مصيبون و أنا مخطيء؟ مالي أنا و للناس! أريدكم ان تتخبطوا في الافكار حتى تصلوا الى قناعة ترضي قلوبكم و عقولكم التي -متأكدة من أنها عقول نيرة لسيت على ضلالة و لا عمى. :)

والله تعالى أعلم

No comments:

Post a Comment